تقول شذى إسلام، المعلقة البارزة في شؤون الاتحاد الأوروبي، إن عجز أوروبا عن التحرك لوقف ما يتعرض له الفلسطينيون في غزة لم يعد يُفسَّر فقط بعُقد التاريخ أو الروابط الاقتصادية مع إسرائيل، بل يرتبط بشكل وثيق ببنية عنصرية موروثة لا تزال تتحكم في السياسات الأوروبية داخليًا وخارجيًا. وترى أنّ هذا التواطؤ مع ما تسميه إبادة متواصلة، سيستدعي عاجلًا أم آجلًا حسابًا أخلاقيًا مؤلمًا.

وتشير الكاتبة في مقالها المنشور على صحيفة الجارديان، إلى أن الاتحاد الأوروبي ظل لأكثر من عام ونصف متفرجًا بينما دمّرت إسرائيل غزة بالقصف والحصار والتجويع الممنهج بعد هجوم 7 أكتوبر 2023. ورغم أنّ لدى بروكسل أدوات ضغط كثيرة ــ من بينها اتفاق الشراكة مع إسرائيل الذي تنص بنوده على احترام حقوق الإنسان ــ إلا أن القادة الأوروبيين فشلوا في حشد الأغلبية لتعليقه، رغم مطالبات إسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا، ورغم تقارير خبراء الاتحاد أنفسهم عن خرق إسرائيل لهذه الالتزامات.

وتوضح أنّ مقترحًا متواضعًا لتجميد جزئي لمشاركة إسرائيل في برنامج الأبحاث الأوروبي "هورايزن يوروب"، الذي تبلغ قيمته 95 مليار يورو، بقي مجمدًا بفعل اعتراض ألمانيا وإيطاليا. بل إن صادرات إسرائيل إلى أوروبا ارتفعت في مطلع 2024. أما المستشار الألماني فريدريش ميرتس فأعلن وقفًا جزئيًا لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل، لكن بعد نحو عامين من دعم عسكري غير منقطع بلغت قيمته 485 مليون يورو من ألمانيا وحدها.

وترى شذى إسلام أنّ هذا التقاعس يعكس عقلية استعمارية ما زالت حاضرة في السياسات الأوروبية، حيث يُنظر إلى الفلسطينيين باعتبارهم "حياة يمكن الاستغناء عنها"، تمامًا كما يُعامل كثير من الأوروبيين السود والعرب والمسلمين، أو اللاجئين من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. وتؤكد أنّ ازدواجية المعايير تبدو صارخة عند المقارنة بين موقف الاتحاد من غزو روسيا لأوكرانيا، الذي قابله بعقوبات قاسية ودعم سخي لكييف، وبين موقفه من غزة حيث يكتفي بتوصيف المأساة كـ"أزمة إنسانية" مجردة من سياقها السياسي.

وتشدد الكاتبة على أن أي مراجعة أوروبية جادة لا بد أن تربط بين الماضي الاستعماري وبين سياسات الحاضر، سواء في فلسطين أو في ملفات أخرى على الساحة الدولية. وتضيف أن خطة الاتحاد لمكافحة العنصرية التي أُطلقت عام 2020 فقدت زخمها، بل إن إعادة هيكلة بيروقراطية أخيرة همّشت منسقة الاتحاد لمكافحة العنصرية، ميكائيلا موا، ما يثير مخاوف من تقويض أجندة المساواة.

وتخلص الكاتبة إلى أن الضغوط الشعبية المتزايدة، والانقسامات داخل المؤسسات الأوروبية نفسها، تكشف تصاعد التململ من الانحياز الأوروبي لإسرائيل. غير أن هذا غير كافٍ. فالمطلوب ــ على حد تعبيرها ــ هو وقف الاحتلال الإسرائيلي المخطط لغزة، إدخال الغذاء بشكل عاجل، وفرض وقف فوري لإطلاق النار. وتؤكد أن أي حساب أخلاقي يظل ناقصًا ما لم يواجه الاتحاد جذور العنصرية وبقايا البُنى الاستعمارية التي تحكم رؤيته للعالم. غزة، كما تقول، "مزقت القناع عن الحقيقة"، والاتحاد الأوروبي لم يعد قادرًا على التهرب من مواجهة ذاته.

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/aug/19/eu-europe-gaza-racism-palestinian#img-1